تكتب سمية غنوشي لموقع ميدل إيست آي عن لحظة تحوّل سياسي في الولايات المتحدة والعالم، وتحديدًا في مدينة نيويورك التي شهدت فوز المرشح المسلم والاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني على الحاكم السابق المدعوم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
فوز ممداني في نيويورك يفتح صفحة جديدة
ترى غنوشي أن شيئًا تغيّر في نيويورك؛ المدينة التي اعتادت أن ترسم المال والإعلام حدود الممكن السياسي فيها. وسط هذا الواقع، ينتصر ممداني على تحالف كامل من النخب الجمهورية والديمقراطية معًا. خسر أندرو كومو، رغم دعم ترامب وعدد من كبار ممولي الحزبين. استخدمت ضده اتهامات مألوفة كـ"الراديكالي" و"المسلم المعادي للسامية"، لكنها سقطت، وفاز ممداني بقوة حملته الشعبية.
تشير إلى أنّ هذا الفوز لا يُعد حدثًا محليًا فحسب، بل إشارة رمزية على انكسار قبضة المال على الديمقراطية الأميركية. فالحملة التي نظّمها ممداني اعتمدت على طلاب وشباب الطبقة العاملة وسكان الأحياء متعددة الأعراق، وقادها متطوعون ومتبرعون صغار دون رعاية النخب أو جماعات الضغط. ومع ذلك، حصد المرشح أكثر من ثلث أصوات اليهود، ما نقض عمليًا المزاعم التي تساوي دعم فلسطين بمعاداة السامية.
تراجع مشروع ترامب وصعود جيل جديد
تربط غنوشي فوز ممداني بتحولات أوسع داخل الولايات المتحدة. فنتائج انتخابات فرجينيا ونيوجيرسي وكاليفورنيا أظهرت ارتدادًا عن خطاب اليمين الشعبوي المبني على الخوف من المهاجرين والإسلاموفوبيا. ترى الكاتبة أن هذا التراجع يعكس ظهور فاعل سياسي جديد: جيل شاب متنوع عرقيًا وثقافيًا، يرفض سيطرة رأس المال الكبير ويبحث عن عدالة اجتماعية حقيقية.
وتعتبر أن “مشروع ترامب” فقد زخمه، بعدما حوّلت انتصارات محلية مثل انتصار ممداني التيار العام داخل الحزب الديمقراطي باتجاه اليسار الحقيقي، القائم على المساواة والتضامن لا على “الصفقات” والتوازنات القديمة.
غزة كمحور أخلاقي يعيد رسم السياسة العالمية
تتجاوز غنوشي المشهد الأميركي إلى أوروبا، فتشير إلى أنّ ما جرى في غزة أعاد تعريف الشرعية السياسية في الغرب. تكتب أن “الوضوح الأخلاقي في الموقف من غزة أصبح المعيار الجديد للمشروعية السياسية”، وأن التردد أو التبرير بات يُقرأ كضعف أو تواطؤ.
تستشهد بحالات عدة: حزب العمال في بريطانيا تراجع بينما ازداد نفوذ حزب الخضر بفضل موقفه الصريح من الإبادة في غزة. في ويلز، حافظ حزب بلايد كامرو على شعبيته بعد مطالبته بحظر السلاح ودعمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. في إيرلندا، صعد حزب شين فين بفضل خطابه المناهض للاستعمار، وفازت كاثرين كونيلي برئاسة تاريخية تجاوزت 63٪ من الأصوات بعدما نطقت بالحقيقة حول غزة دون مواربة. في فرنسا، تقدمت حركة “فرنسا الأبية” بدعم من الشباب والطبقة العاملة والمسلمين.
تقول الكاتبة إن الحرب على غزة حطّمت “آلة الصمت”، إذ كشفت ليس فقط عن عنف الاحتلال، بل عن النظام الإعلامي والسياسي الذي كان يحميه ويجرّم الاعتراض عليه باسم “محاربة معاداة السامية”.
سقوط المحظور وبزوغ حركة جديدة
توضح غنوشي أن اليمين الشعبوي هيمن لعقدٍ كامل على المشهد، فمالت نحوه أحزاب الوسط يمينًا ويسارًا. لكن بعد غزة، خرج الملايين إلى الشوارع في عواصم العالم. ظهرت من جديد لغة التضامن، وغدت العدالة لا مجرد شعار بل محور حركة عالمية.
من رحم هذا الوعي الجديد صعد ممداني، لا بوصفه صانعًا للحظة، بل تعبيرًا انتخابيًا عنها. تحكي الكاتبة أن حتى بعض الأصوات في اليمين الأميركي بدأت تسائل ولاءات السياسة الخارجية الأميركية، بعدما كان هذا النقاش محظورًا لعقود.
تختم غنوشي مقالها بأن “غزة عانت الإبادة لكنها لم تُسكت سياسيًا”، فهي منحت العالم درسًا في مقاومة الصمت وكشف الأقنعة. فوز ممداني لا يعلن نظامًا جديدًا، بل يفضح عجز النظام القديم، مؤكّدًا أن السلطة لم تعد تُدار خلف الأبواب المغلقة، وأن الشارع، بوعيه المتجدد، أصبح من جديد جزءًا من صناعة التاريخ.
https://www.middleeasteye.net/opinion/mamdani-win-shows-gaza-stalled-march-rght

